نحن أبناءها، حين نتحدث عن الناصرية، نتهرب
من البساطة والتاريخ المزور، نريد شيئاً معقداً، نريد معلومات غامضة، شيئاً يشبه
السحر أو اليقين المفترض أو الايمان بالغيب..
لانريد سماع: ان مدينتنا، أُسِسَت حديثا
بوصفها جيبا للمتمردين على حكم السلاطين العثماني، وأن رصاص الدين الذي أمطرته
دولة الخلافة على ابنائها لم يجرح جذوع اشجارها، وبقي شبابها الممتنعون عن دفع
الضرائب لسلطات الانكشاريين المتخلفين العابرين يهددون عرش الدولة العثمانية التي
أَسسَت (الناصرية) في زمن مدحت باشا لسببين: مأوى للنازحين من أهالي النجف وكربلاء
الذين هجم عليهم وحوش الجزيرة من الوهابيين في الربع الاخير من القرن التاسع عشر،
ومحجر للمتمردين الذين لا يدفعون الضرائب من أبناء الارياف المحيطة بالمركز، فكان سكانها
خليطاً من المظلومين الهاربين من الغزو الوهابي والمتمردين المحاصرين من الاحتلال
العثماني.
لذلك أصبحت الثورة على الظلم وتحسسه عن بعد،
هواية أساسية لأبناء الناصرية حتى يومنا هذا . وحماساً يتبلور ابداعا وتميزا.
فلاعجب ان ترى أحد أبناء هذه المدينة المهملة
المنخفضة في أبنيتها فنانا يتم إختياره من قبل بلدية باريس لتزيينها هو الراحل
احمد الجاسم ، وترى اخاه الراحل حيدرالجاسم مصمما ومهندساً يصمم طائرات شركة
(بوينك) العملاقة، وترى أديبا معلما في زاوية صغيرة مثل احمد الباقري يحدد سلفا من
يمكن ان ينال جوائز نوبل للاداب في المستقبل، ولامجال لمزيد من الامثلة ، مبدعون
فطاحل لايرون للوجود حدا ، ولا للعالم مستويات مستحيلة.
لايوجد محتل في تاريخ العراق لم تقاومه
الناصرية، قاومت الإنكليز حين دخلوها شهر تموز من العام 1915 في معركة الناصرية
الشهيرة حيث قتل 2000 جندي عثماني و 400 جندي بريطاني وهندي، وقبلها قاومت الغزو
الوهابي وقاومت الغزو العثماني وفي العصر الحديث قاومت الغزو الامريكي وقبله انتفض
ابناؤها ضد الديكتاتورية في تسعينات القرن الماضي ومازالت تقاوم ادعياء الدين
والديمقراطية، وستواصل (هوايتها) في التصدي للظلم الى ان يقضي الله امرا كان
مقضيا.
553 عدد القراءات