هناك من البشر
من هم منفصلون عن هموم الآخرين، يفكرون فقط في أنفسهم. يتشبهون بالأبقار، ولكنهم
يتحركون كالطواويس، هدفهم المتكرر هو المال والجاه. أن يراهم الناس أنهم فوقهم،
وأعلى رتبة منهم.
لم يغفل القرآن
الكريم ذلك في وصفه لإنشغال الناس بالدنيا، وإنفصالهم عن الرب في قوله تعالى (ألَمْ
تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ
وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ
وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ
اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ) الحج
آية 18.
فالنباتات
والحيوانات والمخلوقات كلها بإستثناء البشر يحترمون علاقتهم بالرب، ويسجدون له،
ويسبحون بحمده، ويقدسونه، لكن البشر على غير ذلك الفهم، ومع توفر العقل إلا إنهم
يبتعدون بمسافة شاسعة عن الغاية الكاملة وهي الطاعة والرضا والتسليم للرب، ولم
يشفع لهم أنهم مكرمون بنعمة العقل، وقد يحتج البعض: إن الحيوانات والنباتات لاتملك
العقل، وهي رهن الغريزة والتوجيه، وربما ضحت بنفسها دون وعي كامل كالوعي المعتاد
عند البشر، لكن ذلك لايدحض الفكرة الأولى، وهي أن العناد سمة لغالب البشر المغترين
بالقوة والنفوذ والمال والسلطة التي سرعان ماتتهاوى كلها، وتتحول الى هباء منثور.
لم يعتد الناس
حتى اللحظة، وبالرغم من مرور نصف عام على تفشي وباء كورونا على حقيقة إن هذا
البلاء والإمتحان الخطير يمس كيان البشرية، ويضعها أمام أسئلة تحار في الإجابة
عنها. فالمؤمنون بوحدانية الله، والكافرون بنعمه والجاحدون والمنكرون لوجوده
يدخلون كل يوم في جدل عميق حول ذلك، ولكنهم لايستطيعون أن يغيروا الكثير من
التفاصيل التي يتعلقون بها لأسباب متعلقة بالمصالح، وربما بالأفكار غير إن النهاية
واحدة، والمصير مشترك لايمكن تفاديه، والنهايات الفجيعة تأخذهم جميعا، ولابد من
حقيقة يصلها الجميع، ويذعنون لها صاغرين لايجدون مفرا من الإستسلام عندها،
والتسليم لمشيئة أكبر، ولعل فيروس كورونا الذي إقتحم أجساد الملايين من الناس في
بلدان مختلفة من العالم مثال على هوان وضعف المعاندين الذين يكتشفون انهم ضائعون
في كون سحيق، والعناد ليس أكثر من مشروب مسكر لابد أن يفيقوا منه على عجز وهزيمة.
734 عدد القراءات