وأخيراً انتحر أبو بكر البغدادي وإنتحرت زوجتاه مع وصول القوة الخاصة
الأمريكية الى مخبئه في إدلب شمال سوريا آخر معاقل الجهاديين الذين يتحصنون هناك
مع مجموعات من المعارضة السورية التي تتراجع بإتجاه الحدود التركية الداعم الأبرز
لتلك المعارضة.
انتحر أبو بكر البغدادي بعد إنتهاء المعارك الرسمية ضد التنظيم الذي يقوده،
والذي إحتل عشرات المدن والقرى في سوريا والعراق، وتنقل بتفجيراته وأحزمته بين
مختلف بلدان الدنيا مسلمة، وغير مسلمة، وقتل عشرات آلاف الأبرياء، وغير الأبرياء،
ودمر حقول نفط ومزارع وجامعات وأسواق ومدارس ومنشآت صناعية، وحول المسلمين الى
مجموعات من الإرهابيين المفترضين، وعزز فكرة الإسلام فوبيا، وأنتج مشروعا مضادا
للإسلام في غاية التطرف بدأ يهاجم الأقليات المسلمة ومساجدها ومراكزها في بلدان
أوربا ونيوزلندا وأستراليا وأمريكا.
نجح البغدادي في تعزيز نفوذ الدول الكبرى في البلاد العربية والمسلمة،
بينما جعل من سوريا والعراق ميدانا للحرب الطائفية، والتدخلات الإقليمية، وجعل
لأمريكا وروسيا، ودولا أخرى مساحة كبيرة للتمدد، وترسيخ النفوذ من خلال الدخول
المباشر بإدعاء حماية الأقليات، وتركيز نفوذ جماعات موالية، ونقل أسلحة ومعدات.
ساعد البغدادي في نشوء مجموعات عسكرية، وظهور أمراء حرب معادين له، لكنهم
أثروا على حساب المال العام، وحصلوا على إمتيازات غير مسبوقة، بينما هجر الملايين،
وجوع مثلهم، وأغتصبت وسبيت آلاف النساء، وتغيرت معادلات سياسية وأمنية وإقتصادية
في المنطقة والعالم إستدعت المزيد من التوتر، والعمليات العسكرية والحروب
الألكترونية، وإنفاق مليارات الدولارات، وإستنزاف ميزانيات دول، وعرضتها للإنهيار،
والفشل، وزادت من إحتمالات المواجهة المباشرة بين مجموعات دينية وطائفية وقومية.
تبدو العملية الأمريكية الأخيرة للتخلص من عبء البغدادي محاولة لفعل شيء ما
يعالج موقفا أمريكيا صعبا، وضيقا يعانيه الرئيس دونالد ترامب الذي يحاول الوقوف
بوجه العاصفة التي تهدد إستقرار حكمه في البيت الأبيض، لكنها تشبه خيانة لحليف
إستراتيجي لأمريكا في المنطقة عزز نفوذها، لكنه كان فرصة لأعدائها أيضا ليكونوا في
القمة ويلعبوا لعبة النفوذ المتحرك.
الذين أكلوا وشربوا وإغتصبوا وسبوا، وحصلوا على مناصب ومليارات ومساحات
نفوذ من دول وشركات ومنظمات وأفراد كلهم خانوا البغدادي، فهو حليف الجميع بإستثناء
الفقراء والمساكين والمهمشين والمؤمنين الحقيقيين البسطاء الذين أذلهم وإنتهك
حرمتهم، وأثبت إن أعداء الإسلام الحقيقيين هم أبناء الإسلام بقبليتهم وتطرفهم
وعصبيتهم القبلية والمذهبية وغرائزيتهم المشينة.
562 عدد القراءات