لا أعتقد أن مشكلةَ العراق وشعبه اليوم تكمن في رئيس الوزراء الحالي السيد
عادل عبد المهدي، فقد جاء السيّد متأخراً كثيراً ليكونَ في هذا المنصب، منصب رئيس
الوزراء الذي كان امبراطوية لصلاحيات الثراء والنفوذ وتأهيل الإتباع وإثراء ذوي
القربى، وتأهيل مؤسسات في دولة منهارة على المقاسات الحزبية والشخصية، المنصب الذي
خلّف وراءه مشاكل وأزمات وإخفاقات وارتكابات كارثية في الأمن والسيادة والسياسة
وتفتيت المجتمع وانتاج الهوة السحيقة بين الناس والطبقة السياسية ومن يدور فلكها
من رجال المال بلا أعمال والسلاح بلا سيطرة، خرج منه كلُّ من تسنّمه بحفنة
(انجازات) يتوهمها ويتحدث عنها هو وأقاربه والمستفيدون منه، ورمى بالإخفاقات على
سلفه، ليجد عبد المهدي نفسه في مواجهة استحقاقات شعبية وتاريخية للمرة الأولى من
أبناء مابعد 2003، أولئك الذين تعلّموا على ايدي السياسيين أنفسهم وأطاعوا أوامر
العهد الجديد وقاتلوا الإرهاب وهم يتركون عوائلهم في بيوت مظلمة وحالة شحيحة من
الزاد والأمان حتى تضخمت غيرتهم وتصدّع صبرُهم وحفّزهم شهداؤهم، فخرجوا وهم ينقشون
على صدورِهم فواتير الماضي القريب من التراجع والفقر والتجاهل والدم المؤجل برقاب
من سبقوه.
السيد عادل عبد المهدي الذي قضى حياته ناصحاً منزعجاً مستقيلاً مرّة ومبعدا
أخرى، يكتب في فهم الدولة وينظّر لاستقامتها سياسيا واقتصادياً، كان ترشيحُه
للوزارة خدعةً غاية ًفي المَكْر، فقد سلموه رئاسة حكومة بريئة النوايا، بعضُ
وزرائها شبّانٌ مهنيون يطمحون للنجاح، لكنها حكومةٌ ورِثت كلَّ مشاكل المحاصصة
وآثار الفساد الذي تحول الى مؤسسة متمترسة لايستطيع وزير أو مسؤول حديث العهد
مقاومتها حتى في وزارته.
لايعرف السيد عادل عبد المهدي من يطلق النار (كما يقول) ومن يرسم خطط
الدولة خارج مجلس الوزراء ومن هو اعلى مِنْ مَن؟ وهل الوزير بإمرته أم بإمرة الذي
جاء به الى منصبه، بل يتفاجأ بأنواع القادة في الشوارع لايعرفهم وهم يعطون الأوامر،
ويقيّمونَ الموقف، ويتخذون القرار، حتى قُتِلَ الناسُ أمام عينيه وهو المسؤول
قانوناً عن قتلهم! أي مأزقٍ تاريخي هذا؟ وأية خاتمةٍ كابوسيّة وهو يدفع فواتير
جميع القتلى الذين راحوا ضحية حكومات سابقة وأغلقتْ لجانُ التحقيقِ الوهمية
ملفاتهم! أي مأزق تارخي؟ وهو يدفع فواتير ستة عشر عاماً من الدم والفقر والفساد
والتدخل الخارجي وتعدد الجيوش في الدولة والخطاب في إعلامِها، والعلاقات الخارجية
المتعددة للكتل التي جاءت به عريساً أدخلوه على شريكةٍ لم يرَها ولم يَعرِفْ أيٌّ
منهم وليُّ أمرِها.
السيد عادل عبد المهدي المسؤول والضحية اليوم، يكتشف مع نفسه أنه أسيرُ
خدعة تشكيل الحكومة التي عليه ان يدفع مقابلها كل تلك الفواتير التي يطالب بها
شعبٌ بلا أمل.
ولذلك ستكون استقالتُه الفاتورةَ الوحيدةَ المدفوعةَ من ذمّته، ليهدّئ
المتحالفون بها المتظاهرين، فلايمكن لسنة واحدة حُكْم، أن تجلب كل هذه المآسي
والنكبات لتشعل الشارع الذي لن يكتفي بمسرحية من مشهد واحد هي استقالة رئيس
الحكومة الحالية، والمجيء بكبشِ فداء جديد.
655 عدد القراءات