حين يطعن القضاءَ شخصٌ ما سواء كان مسؤولا ام مواطنا
اعتياديا سيتعرض للمساءلة القانونية طالما
استخدم وسائل ليست من صلب الطيف القضائي نفسه ولم يعتمد مستويات التقاضي الرسمية
المعتادة مهما كان الموضوع الذي اعترض عليه، فالمتهم هنا انما يهين الدولة كلها، وعدم
مساءلته يعني أن الدولة ضعيفة هشة لاتستطيع حماية قضائها.
هذا
قانون، لان القضاء شرف وطني خاص-
عام، الطعن به يمس الجميع، ومن يعمل على
ذلك فانما هو خارج على الجماعة وعلى الوطن، وهو عُرفٌ مطاع في جميع دول العالم
وبعض العربية منها، لأنّ ازدراءَ قرارات أو اجراءات السلطة القضائية أمرٌ محرّم وخطير
يتجازو بكثير إهانة مؤسسات الدولة التي تعدّ من جرائم الحق العام حسب المادة (226)
من قانون العقوبات العراقي المعمول به حاليا. فالقضاء هو الخط الأحمر الأول لأنه يشمل ضمنا كرامة مؤسسات ومصالح الدولة
جميعها.
هذه العلاقة
الطردية بين الدولة والقضاء، كفيلة بكشف سلامة الأداء السياسي والفني داخل مؤسسات
الدولة والمجتمع، إذا تعافتْ الدولةُ صَلحَ القضاء واذا صلح القضاء قويت الدولة،
لكن الجزء الاول من المعادلة هو الاهم، لان القضاء دون دولة راعية حامية تمنحه
القوة والاستقلال والسلطة المطلقة له، لن يستطيع اداء واجبه كما ينبغي. والدولة
هنا لاتعني الحكومة او المؤسسات منفردة بل الكيان المادي والمعنوي الذي ينظم حياة
ناس تعيش على أرض عبر مؤسسات تعنى بشؤونهم وقوة تحمي ارضهم ومؤسسات النظام التي
انشئت لهذا الغرض. فالعلاقة التبادلية هنا. الدولة توفر القوة للقضاء من الاستدعاء الى اصدار
الاحكام الكبرى وتنفيذها في اطار الاستقلال التام، فيما يوفر القضاء قوة الجماعة
من الحكمة والفصل بين المنازعات وانشاء هياكل الحياة ومؤسساتها. وعليه فالدولة قوة
القضاء، والقضاء قوتها وضمانة للمجتمع.
في العراق اليوم
لم يتداخل عمل المؤسسات فحسب بل تداخلت القيم ايضا، وتصور البعض ان اهانته للقضاء
أو ضغطه على قاضي أو محامي أو تهديده محكمة ما انما هو امر طبيعي تفرضه القوة
والنفوذ، متناسيا انه كفر بالنظام والدولة وتغيير وجهة الاسلحة والضمانات لتؤثر في
الفاعل مثلما تؤذي المجتمع، هذه الحال جعلت الكثير من الشواذ والخارجين على
القانون من الفاسدين وممن توهموا اختراق القضاء أو اخافة العاملين به او غير ذلك
من وسائل التخريب المعتادة وشن حملات اعلامية صفراء ضد القضاء، ان يدفعوا بسلطة
القضاء لتكون طرفا في التنافس السياسي او لعبة التقسيم الفئوي والانتماء الحزبي
والعشائري، وليستغل القضاء بوصفه اداة للتسقيط السياسي، وتوفير المظلة القانونية
للخروقات السياسية والاقتصادية، هذه الحملة المتخلفة المسعورة انما هي في حقيقتها
تنطلق من جهلين اساسيين، الاول مهني وهو ان
القضاء ليس مجرد راي او انحياز يحكمه الهوى والميول في قراراته، بل هو نظام دقيق
يقوم على سلسلة من الأدلة والقرائن والتحقق من اشتراطات المصلحة العامة وحجم الأذى
ودراسة العينات ومايحيطها من ظروف، وقراراته بالنتيجة هي هويته وسمعته وهي مستوى
الدولة ومصدر قوتها في النهاية، والجهل الاخر الذ ينطلق منه هؤلاء ان تسويق
الذرائع بأن اتهامهم بالفساد وتلويح القضاء بمساءلتهم على انه نزاع سياسي سيسقط
عنهم هذه التهم التي يراقبها المجتمع كله الان، بل ان بعض المتنفذين المتهمين يذهبون
الى تهديد القضاة شخصيا بهدف ثنيهم عن اتخاذ الاجراء الصحيح، وهؤلاء هم انفسهم
يثقبون قاربا هم راكبون فيه ويهددون الدولة برمتها، وعليه لابد من تصدي جماعي
وتفصيلي بجميع اشكال المواجهة لهؤلاء في كل حين، فالقضاء ليس مشروعا شخصيا او
منظمة منافسه بقدر ماهو قوة الدولة وضمانة المجتمع على الصعد كافة.
636 عدد القراءات