في العراق؛ الوضع يتغير، هل تشعر بأنّ هناك تغيرا؟ نحن لانلْحظُ ذلك لكنّنا لاننكره، مؤشرات
انقلاب!، ومواجهات خفية باردة بين من يتهم قائداً عسكرياً بالتخابر ثم يقصيه، وبين
من يعيد اليه اعتباره ويكرمه ويضعه في الموقع الذي يستحق، بين حكومة راحلة ملطخة
ثيابها بدماء مئات الشهداء، وعشرات الاف الجرحى لم تفعل شيئا سوى اتهامها طرفاً هي
تعرفه جيداً، لكنها جبانة بازاء تحديده والتشهير به وايقاف جرائمه بحق الشباب،
وبين حكومة يحتفي رئيسها بكادر فني قدّم عملا فنياً تعبويا مؤثراً مجّد فيه أرواح
شهداء المظاهرات، حتى ليحار المواطنُ المحتج في الاجابة عن سؤال: من معنا ومن ضدنا؟
وفي النتيجة نحن ضد من وماذا نريد ومن يحققه؟، مالذي يحدث في العراق؟، وماهو حجم
التغيير والتاثير؟، وكيف تستثمر الخلافات السياسية للتمظهر الى تغيير وجوه واشارات
سياسية متناقضة من هذا القبيل؟.
قد يتيح ذلك العديد من التحليلات والاحالات الى الدور الخارجي والتحديات
الاقتصادية والأمنية والصحية الأخيرة، لكن الحقيقة أن التغيير أصبح أقوى من الجميع
موالين ومعارضين، التغيير الذي فرضه شباب العراق أمام شراسة الفساد وهشاشة لدولة
والبطالة والفوارق الطبقية التي احدثها المال السائب وشراء الذمم وغياب المساءلة واعتراف
الطبقة السياسية بالتقصير والخلل والفشل، بل واستثمار تضحيات ودماء شهداء العراق
الشباب في معركته الدائمة ضد الارهاب، هم يدفعون الدماء وقادتهم ينالون المكاسب
السياسية، ويحولون فوهات البنادق المقدسة التي قاومت الارهاب الى صدور النشطاء
والمحامين والطلبة الحالمين بوطن معقول وادارة منضبطة تعمل كما ينبغي لاية ادارة مخلصة ان تقوم به،
هذه الحقيقة فعلا كانت اقوى من الجميع، مؤشر قوتها هذا الارتباك الذي أدى الى
نهاية مأساوية لحكومة ضعيفة سياسيأ رغم احتوائها بعض الكفاءات المستقلة التي لم
يكن لها تاثير وسط اختطاف الدولة بكاملها من خارج مؤسساتها الرسمية، ومجيء حكومة
يقودها رجل مستقل حزبيا ليس من المنظومة التقليدية التي حكمت البلد رغم عمله في
أعلى مؤسساتها الأمنية ، فكلنا يعرف انّ المؤسسات الأمنية الرسمية ليست ذات يد
طولى في البلاد وأنها تحاول التسوية دائما بين صلاحياتها وعمل منتسبيها وبين جهات
غامضة أقوى وأكثر شراسة وأعلى صوتا وأكثر سلاحاً. وعليه فإن رئيس الوزراء الذي جاء
على رأس حكومة الحل وليست حكومة أزمة على حد قوله، سيكون في موقف لايحسد عليه وهو
مطالب بتسويات سلمية لاختلافات معقدة مثل هذه.
ربما تبدو المراهنة حذرة، والدعم المتردد الذي ساد الاوساط الصحفية
والسياسية مردّه الى حجم التحدي واستحالة النجاح باعادة هيبة المؤسسات الحكومية.
حتى من الذين يثقون بشخصية رئيس الوزراء الشاب، الاعلامي والصحفي والمهاجر المعارض
الذي لايخلو عمله من جنبة عاطفية يفتقدها الكثير من السياسيين الذين حكموا البلاد،
وهي جنبة يراها البعض تسرعا وخفة ويراها البعض الاخر حاجة ملحة لامتزاج قوة القرار
بدقة وملائمة القرار المتخذ في الحالة العراقية. فالعراق اليوم بحاجة الى الى رجل
لايبكي على الضحية فقط بل يقتص من الجاني ليبعث الاطمئنان في الحياة العامة.
ربما يبدو هذا الطرح متجها الى اليأس، لكنه رسالة متوازنة للجميع، بأنّ
العراق يتغير وأن الدول ذات العلاقة تعرف هذا، ولذلك ستخفّف رغما عنها من تاثيرها
السياسي والأمني والفوضوي على الساحة العراقية، لتتيح لهذا التغيير ان يحدث
بتلقائية وسلام قبل أنْ يحدث بصورة دامية
ليست من مصلحة الجميع، الجميع دون استثناء.
591 عدد القراءات