"مجرمون بلا حدود" ليس هذا اسم منظمة دولية على غرار منظمات
الاطباء والصحفيين والمحامين وما شابه من المنظمات الخدمية والانسانية التي اعتدنا
تسميتها على هذا النحو، كما لم يكن اسما منتخبا من اصحاب (التخصص) انفسهم، بل هو
فكرة اولية ابتكرها عدد من الناشطين الشباب في كولومبيا بعد ان ساد في بلادهم ايام
السبعينات من القرن الماضي حكم المافيات وغياب القانون، وانتشار جرائم السرقة
والقتل والتسليب والتصفيات، وهو اسم حركة افتراضية اطلقه اولئك الشباب على مجهولين
من المجرمين والاشرار واصحاب السوابق واللواحق.
تقوم فلسفة هذه المجموعة على ضرورة التوجه لمخاطبة المجرمين انفسهم
بدل مخاطبة السلطات او الشرطة او رجال القانون الذين لا حول لهم ولاوجود، وتهدف
الى احتواء أذى المجرمين والسراق وبائعي الذمم من الموظفين والمسؤولين.
واستمالتهم وكسب عطفهم وحثهم على الرأفة بالناس والممتلكات (قدر
المستطاع !) في محاولة، يعتقد اولئك الشباب انها على قلة تأثيرها فهي أكثر جدوى من
اليأس والاستسلام للقدر، ولذلك وزعت المجموعة رسائل لافتة وغريبة على الجدران وفي
الاماكن العامة وابواب المنازل والمحال التجارية والمنشات والمناطق النائية التي
عادة ما تتعرض لانتهاكات المجرمين وممارساتهم الشريرة. من بين هذه الرسائل الطريفة
رسالة تقول:
(عزيزي المجرم
اذا قررت ان تسرق فلاتسرق فقيرا) ..
واخرى تقول (عزيزي المجرم اذا سرقت حاول ان لاتقتل) ..
و (اذا اضطررت للقتل فلاتقتل طفلا او حاملا ) و ( اترك قليلا مما
تسرقه)
و ( تصدّق على ضحاياك بقلة القسوة)
واطرف الرسائل تلك التي تقول.. (عزيزي المجرم إذا امكن أجّل جريمتك)
او ( أجل جريمتك الى الغد رجاء) ..
السلطات الكولومبية استدعت هذه الجماعة غير الحكومية للتحقيق في
نشاطها الغريب هذا، بتهمة ان سلوكهم يعد عملا تصالحيا مع المجرمين انفسهم ويتعامل
مع الجريمة على انها مسلّمة وحقيقة وحق لفاعلها، وهو نوع من التواطؤ والمساومة
لايساهم في تأهيل المجرمين الذين يجب ان يكون مكانهم السجون والاصلاحيات او منصات
القصاص.
غير ان الجماعة ردّت من جانبها على الحكومة بالقول: ان عجز السلطات
عن الحد من تزايد الفساد و الجريمة في البلاد، يدفعنا الى اتباع المساومة المعنوية
مع مرتكبيها بهدف تقليص الجريمة او الحد من انواعها الدموية في الاقل، وكسب تعاطف
المجرمين انفسهم مع الحالات الانسانية المؤلمة التي يتعرض لها الابرياء في البلد. فاذا
لم نجد مسؤولا شهما يحمينا، نبحث عن مجرم شهم لا يقسو كثيرا ولايسرق اكثر مما
ينبغي على الاقل.
وبغض النظر عمن كان على حق، الاجهزة الحكومية الكولومبية او ذلك
النوع من النشطاء، فان الامر يشير الى المتاهة والحيرة التي تعيشها مجتمعات ابتليت
بالاضطرابات واطلاق ايدي المجرمين والطفيليين الذين يعيشون في الظلام وفي كنف
الفوضى السياسية والاجتماعية، وتنوع دوافع الجريمة، حتى اصبحت الرحمة والرأفة
مشروعا سرّيا للناس، وتحكيم العقل والمنطق من الخبائث.
لكن العودة الى النفس وصحوة الضمير التي لا يأس منها حتى مع اعتى
المجرمين، من اجل حفظ دماء وممتلكات الناس واعراضهم انما هو تجديد للثقة بهذا
الوجود، وهو في كل الاحوال فعل خير مهما كان متاخراً، لايفوت أوانه.
601 عدد القراءات