إنّ من يقلّب صفحات التأريخ القديم سيجد
الكثير الكثير من الأساطير فمنها ما تمثلت
في شخصيات أصبحت أسطورة بنظر شعوبها لا بل
الشعوب نفسها صنعتها وعلى سبيل المثال لا الحصر أسطورة (علاء الدين ومصباحه السحري)
وأسطورة
(الباهموت) وأسطورة (وحش النسناس) وأسطورة (علي بابا والأربعين
حرامي) وأسطورة (السندباد) وأسطورة (زرقاء اليمامة) وأساطير أخرى كثيرة في مورثنا
العربي القديم والحديث.
إن المتتبع لسرعة وتيرة الأحداث في الشارع
العراقي سيجد أن هناك عالمان أولهما عالم
عقلاني موضوعي يتعامل مع الأحداث بمنتهى التجريد من العاطفة والإستخفاف بمن يؤمن
بروح الاسطورة وتأثيراتها اللامحدودة وثانيهما عالم روحاني غيبي يؤمن بالغيبيات
ويخضع لتنبؤات الدّجلة والمشعوذين ويعتمد على قراءاتهم في رسم سياساته المستقبلية
إن عقلانية العالم الأول مكنته من إبقاء العالم الثاني في عصوره الأسطورية الذهبية
متغنيا بأمجاد الآباء ومتفاخرا بالماضي ومستمتعا بذكر بطولات البكريين واستنجاد
التغلبيين بالحارث بن عباد في قتله للمهلهل بن ربيعة التغلبي.
وهذه الحال تماماً تذكرني بأبطال (هوليوود)
حيث تمكنوا من تسويق أفكارهم بصور فنية رائعة تجسد مآسي الشعوب العربية ورغبتها في
الخلاص من الدكتاتورية وتعطشها إلى الديمقراطية إن من يمثل البيت الأبيض الأمريكي
يحمل نفس الأدوات التي يحملها مخرجو (هوليوود) فنجدهم بين الحين والآخر يسوقون لنا
شخصيات أقرب ما تكون إلى الأسطورة حتى تجعلنا نؤمن بأنها تمتلك عصا موسى عليه
السلام وتصورهم على أنهم قادرين على إحياء الموتى كما فعل عيسى عليه السلام فنسلم
لهم تسليما كبيرا عظيما.
وأمام هذا الإبداع والتفنن الرائعين من قبل
ممثلي البيت الأبيض الأمريكي تبقى الشعوب العربية تترقب إخراج موسى ليده كي تعود
بيضاء من غير سوء كما كانت.
فكيثرة هي الأساطير التي سُوقت إلى الشعوب
والتي كانت تهدد بإزالة إسرائيل من الوجود لكنها سرعان ما اعتلت أجسادهم منصات
الإعدام وأصبحت الشعوب ترميها بألفاظ نابئة وتنعتها بنعوت كثيرة بعدما كانت تلقب بـ(حامي
الحمى) ورأينا بعض هؤلاء الأساطير تضرب بالأحذية أجلكم الله وبعضهم تسحل جثثهم في
الشوارع بعدما كانت الشعوب تهتف بأسمهم تعتلي صورهم منازل الفقراء قبل الأغنياء.
إن ممثلي البيت الأبيض الأمريكي ليسوا سوى
بمخرجي (هوليوود) إلا أنهم أكثر دقة وأبعد نظرا في خلق أساطير واسباغها شيئا من
القدسية ومنحهم طاقات وقدرات خيالية كشخصية (كشخصية سوبر مان) وكذلك العمل على
ترسيخ مفاهيم خاطئة في مخيلة الإنسان العربي الذي كثيرا ما تغريه الشعارات وتؤثر
فيه الهتافات وقد نجحوا في تقديم هذه الأساطير بصورة المعجزة الإلهية التي لم ولن
تتكرر وإظهارها بمظهر القائد الملهم وحامل راية العرب والمدافع عن العروبة
والإسلام والمسلمين.
إن الشعوب العربية اليوم باتت تنتظر ظهور
أساطير جديدة لتصفق لها وتلعن سابقتها وتتأمر بإمرتها وتَظلِم تحت حكمها وتقتل
بإسمها وتنتهك الأعراض من أجل بسط سيطرتها وترفع صورها وشعاراتها وتزدحم السجون
والمعتقلات بأنصار الغد وأعداء اليوم .
ذهبت الأساطير جُلّهمُ ولم يبقَ في ذاكرة
الشعوب سوى بعض الأغاني الأناشيد الوطنية التي تذكرهم بحماسة ابي تمام.
فياترى من سيكون الاسطورة في قادم
الأيام وكيف ستكون نهايته ؟؟؟
999 عدد القراءات